روايات رومانسيهرواية كتاب الحب

رواية كتاب الحب للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

أثار اسم تلك المكتبة فضول رائد كثيراً، وظل يتسائل في نفسه بحيرة عن السبب الحقيقي وراء تسميتها بذلك الاسم كتاب الحب ..
سار رائد في طرقات البلدة بخطوات ثابتة نوعاً ما، ثم بدأ يستعين ببعض أهالي البلدة في الوصول إلى عنوان تلك المكتبة، ولم يبخل عليه أي أحد بالمساعدة..

بعد نصف ساعة من السير، وصل رائد إلى سهل أخضر غني بالذروع الناضرة، وبالفعل كما قال له أيمن وجد مبنى صغير وعتيق مكون من طابقين يتوسط هذا السهل المترامي الأطراف..
حدق رائد في ذلك المبنى الخشبي القديم في طرازه، ودقق نظرته أكثر في تلك اللافتة الخشبية المثبتة على أول الطريق الطيني الممهد والتي تحمل اسم المكتبة المثير للفضول..

أخذ رائد نفساً عميقاً ثم سار بخطوات حذرة على الطريق الطيني إلى أن وصل في نهايته إلى طريق معبد بالأحجار، فسار عليه حتى وصل إلى عدة درجات خشبية، ثم صعد عليها، ووقف أمام ذلك الباب الزجاجي ذو الإطار الخشبي العريض..
تلفت رائد حوله باحثاً عن أي أحد متواجد أمام مدخل تلك المكتبة الواسع، ولكنه لم يجد إلا مقعد خشبي مستند إلى أحد الجوانب، بالإضافة إلى بعض أواني الزرع الموضوعة على حافة السور الخشبي العريضة..

طرق رائد على الباب الزجاجي بطرقات خفيفة، وانتظر أن يأتيه الجواب من الداخل، ولكن ظل الصمت هو سيد الموقف..
لذا قرر رائد أن يدلف إلى الداخل، فأمسك بالمقبض وأداره بحرص، ثم فتحه، فاستمع إلى صوت موسيقي خافت يصدر نتيجة ارتطام نجوم معدنية صغيرة متدلية من أعلى الباب..

شعر رائد بالدفء فور دخوله إلى المكتبة، وأن هناك شعوراً غريباً بالألفة يسيطر على المكان، ويبعث بالراحة والسكينة على النفس، فاندهش في نفسه، ثم جاب بعينيه المكان من الداخل، فرأى أرفف خشبية كثيرة ومكتظة بالكتب المتنوعة في الأحجام والأشكال، اعتلت الدهشة ملامح وجه رائد، وانبهر بوجود هذا الكم الهائل من الكتب الثمينة والغالية دون أي اكتراث من أي أحد..

تحرك رائد في اتجاه أحد الأرفف والمدون أعلاها روائع الأدب الانجليزي ، ومد يده ليمسك بأحد الكتب، وبدأ يقلب في صفحاته بإهتمام شديد..
ولكنه توقف فجأة عن متابعة ما يفعل، حيث آسر انتباهه صوت أنثوي رقيق وهاديء يأتي من خلفه و…
-إيلي بصوت ناعم: هل يمكنني مساعدتك؟

استدار رائد بجسده ببطء ليجد شابة – هادئة الملامح، ذات قسمات وجه جميلة، ووجنتين متوردتين، وجسد رفيع ممشوق – تقف خلفه في بداية العشرينات من عمرها، للحظة توقف الزمن عن الدوران، وشرد رائد في تعبيرات وجهها البريئة، ثم تمعن في عينيها البنيتين العميقتين، وسرح في شعرها الكستنائي المعقوص للخلف برباط شعر بلاستيكي، ثم أخفض بصره ليتابع حركة شفتيها العاصية وهي تعيد تكرار السؤال عليه..

أفاق رائد من شروده، وتنحنح في حرج، ثم..
-رائد بصوت متحشرج: معذرة
ابتسمت له تلك الشابة في عذوبة، ونظرت إليه بنظرات دافئة و..
-إيلي بصوت خافت: كيف يمكنني مساعدتك؟

حاول رائد أن يُحيد ببصره عن تلك الشابة، ولكنه عجز عن فعل هذا، فقد شعر أن هناك هالة ما تحيط بها تجعله أسيراً لها، ورغم أن تلك الشابة لم تكن متكلفة المظهر وهي ترتدي فستانها الرمادي – ذو الخصر الضيق وفتحة الصدر الدائرية الصغيرة، والأكمام القصيرة التي تصل إلى منتصف عضدها – ولا في زينتها، إلا أنها كانت مميزة بحق..
-رائد بنبرة متلعثمة: أنا، انا أستاذ جامعي انتقلت للعمل هنا و، و أبحث عن كتب معينة..

مطت إيلي شفتيها في اهتمام، ومالت برأسها للجانب، و..
-إيلي بنبرة ناعمة: مرحباً بك هنا، أنا إيلي
ثم مدت إيلي يديها لتصافح رائد الذي أسرع في مصافحتها وتلمس أصابع يدها، يا الله كم هي دافئة بشرتها رغم البرودة التي تسود في الأجواء، كم أن الدموية الحارة تنبعث في روحها رغم الجمود الذي يصيب بعض الأشخاص في مثل هذا الطقس القارص..
ظهر شبح ابتسامة على زاوية فمه، ثم..

-رائد بنبرة عميقة ورخيمة: وأنا رائد خلدون، أستاذ الأدب الانجليزي
رمقت إيلي رائد بنظرات إعجاب وهي تتابع حديثه بإهتمام شديد، في حين ظل رائد مسلطاً بصره عليها ليتنعم بجمالها الطبيعي الهاديء..
-إيلي بصوت دافيء: هلا أخبرتني بإسم الكتاب الذي تبحث عنه
-رائد بصوت آجش: إنه ذهب مع الريح ل مارغريت ميتشيل
-إيلي وهي تمط شفتيها: مممم، لحظة واحدة، دعني أتفقده لك..

وقفت إيلي إلى جوار رائد، ورفعت بصرها للأعلى لتطالع أسماء الكتب المتراصة على الرف، فلاحظ هو فارق الطول بينهما، وأنها نوعاً ما صغيرة الحجم بالنسبة إليه، وأنه يصل إلى ضعفين حجمها..
تابع رائد كل إيماءة وحركة تصدر عن إيلي بنظرات متفحصة دارسة لها، ولم يحيد ببصره عنها، إلى أن استدارت برأسها لتنظر إليه، فشعرت بالحرج من نظراته المسلطة عليه، فأطرقت رأسها في خجل و..

-إيلي بنبرة خجلة، وخافتة: للأسف لا يوجد الكتاب ضمن تلك المجموعة..
-رائد وهو يهز رأسه: مممم…
صمت رائد للحظة وهو متردد في سؤال إيلي عن سبب تسمية المكتبة بهذا الاسم، وفضل أن يسألها لاحقاً..
-إيلي بصوت ناعم: إذا كنت غير متعجل، فاترك لي مهلة كي أبحث لك عنه في المجموعة الموجودة بقبو منزلي هذا، فأنا متأكدة أني رأيته من قبل
-رائد متسائلاً باستغراب: قبو المنزل! هل تعيشين هنا؟

أومأت إيلي برأسها ايجابياً، ثم أردفت ب…
-إيلي مبتسمة في عذوبة: تلك المكتبة هي منزلي، فوالدي الراحل قد أسسها بحب، وانا ورثت عنه شغفه بالكتب والقراءة، كما أنني أعيش في الطابق العلوي، أما هذا الطابق فكما ترى يتضمن المكتبة
أدار رائد رأسه في أرجاء المكتبة ليتفحصها أكثر، ثم عاود النظر مجدداً إلى إيلي و…
-رائد بنظرات متعجبة، ونبرة مندهشة: شيء عجيب حقاً
-إيلي متسائلة بهدوء: ولماذا العجب؟

-رائد بنبرة جادة: المكتبة هنا قيمة، ولكن يبدو أن الناس لم تعد تحبذ القراءة
-إيلي بنبرة آسفة: هذا صحيح، ولكني مازالت أقرأ، وهذا هو الأهم
-رائد متسائلاً بإهتمام: هل تدرسين إيلي؟
أطرقت إيلي رأسها مجدداً في احراج، ثم عضت على شفتيها في خجل، و..
-إيلي بنبرة خجلة: لا للأسف..
عقد رائد حاجبيه في استغراب شديد، ورمق إيلي بنظرات أكثر إمعاناً و…
-رائد بجدية: لماذا؟

-إيلي وهي تتنحنح في حرج وبتلعثم: احم، آآ، لأن والدي حينما توفي لم يكن معي المال الكافي لكي أكمل دراستي، أو أتحمل نفاقات معيشتي، فتركت الدراسة، و آآ، واكتفيت بإدارة مكتبة الحب..
-رائد بتردد: هل يمكنني أن اسألك شيئاً ما يحيرني؟
-إيلي بنبرة مهتمة: تفضل
-رائد بصوت رجولي عميق: لماذا سمى والدك المكتبة باسم كتاب الحب ؟
ابتسمت إيلي في رقة، وبدأت الدماء تتدفق في وجهها أكثر من جديد لتجعله أكثر حيوية و..

-إيلي بنبرة حماسية، ونظرات شغوفة: لأن الكتب التي هنا جمعها والدي بالحب، فأراد أن يجعل من يقتني الكتب يغمره الحب، و يحبهم كم أحبهم هو، فسمى تلك المكتبة تيمناً بالحب النقي
-رائد بإعجاب: اختيار صائب..
ثم صمت رائد لبرهة ليلتقط نفسه قبل أن يتابع ب…
-رائد بصوت هامس، ونظرات حانية: حتى أنا قد شعرت أيضا بدفء الحب يغمرني فور أن وطأت قدماي تلك المكتبة.

ابتسمت إيلي في خجل، وتوردت وجنتيها أكثر، ثم عقدت أحد ساعديها أمام صدرها، ورفعت الذراع الأخر ناحية وجهها، لتعبث بالقرط المتدلي من أذنها…
أشاح رائد برأسه بعيداً عن إيلي لينظر إلى السماء التي بدأت تظلم تدريجياً، ثم أعاد رأسه في اتجاه إيلي، وحدق فيها، و…
-رائد مبتسماً ابتسامة رضا: يبدو أن الوقت معكِ يمر بسرعة
-إيلي وهي تزم شفتيها بخفوت: أها، حقاً؟

نظرت إيلي هي الأخرى إلى الخارج من خلال باب المكتبة الزجاجي، و..
-إيلي بصوت هامس: أووه، لقد بدأ الظلام بالحلول..
-رائد بنبرة جادة: سوف أراكِ غداً إيلي
-إيلي باستغراب: لماذا؟
توتر رائد، ورفع يده عالياً ليضعها على فروة رأسه، ثم بدأ بحكها، و…
-رائد بنبرة متلعثمة: آآآ، لكي أسأل عن الكتاب
-إيلي مبتسمة، وبنبرة متمهلة: لا داعي للتعجل، فأنا سوف أبحث عنه، ووقتما أجده سوف أوصله إليك.

-رائد بنبرة حائرة، وهو عاقد حاجبيه: ولكنك لا تعرفين مكاني
-إيلي بنبرة واثقة: سوف أجدك، فهذه بلدتي سيد رائد
ابتسم رائد في ارتياح، ثم مد يده ليصافح إيلي، وتركها وسار في اتجاه باب المكتبة، وقبل أن يدلف للخارج، التفت برأسه لكي يرمق إيلي بنظرات أخيرة..

لوحت إيلي بأصابع يدها إلى رائد، ثم سارت خلفه بعد أن انصرف، ووقفت إلى جوار باب مكتبتها الزجاجي، وظلت محدقة بالطريق الذي يسير عليه، في حين كان هو يختلس النظرات إليها وهو يرحل مبتعداُ حتى اختفت تماماً عن أنظاره، واختفى هو من أمام عينيها، فعاودت أدراجها للداخل، وأوصدت الباب من خلفها..

طوال طريق العودة للمبنى السكني الملحق بالجامعة، ظل رائد يفكر في تلك الشابة الجميلة إيلي، لقد أعطت إلى روحه الهائمة الدفء والحياة، فشعر أن هناك شيئاً ما مميزاً بها، شيئاً يبعث الحياة في داخله، شيئاً جعل قلبه يخفق لأول مرة وبشدة، شيئاً أشعل الجذوة الخامدة في صدره..

لم يكف رائد عن التفكير بإيلي وبأحوالها، وظل يتردد في صدى عقله حديثها عن شغف والدها بالكتب، وعن مكتبة الحب، وعن تركها للدراسة، ألقى رائد بجسده المرهق على الفراش، وحاول أن يتوقف عن التفكير في إيلي، ولكنها كانت تطغى عليه حتى وهو على فراشه وطائفها يمر أمام عينيه، لقد ظل محدقاً طوال الليل بسقفية الغرفة، واضعاً لكلا يديه خلف رأسه، مبتسماً ابتسامة عفوية، ممنياً نفسه بلقائها غداً، حتى وإن رفضت لقائه، ثم أغمض عينيه ليغفو لعلها تأتيه في حلمه..

طوال الأيام اللاحقة ظل رائد يتردد على مكتبة كتاب الحب متحججاً بأنه يبحث عن كتب أدبية منوعة ومختلفة، في حين أنه كان يستمتع بوجوده مع إيلي – شعلة الحب المتحركة، لقد أبهرته بمدى ثقافتها، ومدى إطلاعها على كل ما هو متصل بالعلم رغم أنها لم تكمل تعليمها الجامعي، وعرف أكثر عن هواياتها، وكتبها المفضلة، وما تحبذ قرائته وخاصة الشعر الأدبي، وأخبرته أنها تكتب خواطر قصيرة، فألح عليها لكي يقرأها، ولكنها رفضت طلبه بتهذيب، واعتذرت له عن السماح له بالإطلاع عليها معللة هذا بأن خواطرها هي عنوان حياتها..

احترم رائد رغبتها رغم أن الفضول كاد يقتله لكي يعرف عنها المزيد والمزيد…
أدرك رائد أن المعنى الحقيقي للحياة هو أن يكون بصحبة إيلي، فهي من أعطت لحياته الراكدة معنى، بل إنها أضفت عليها الحيوية والدفء في ظل تلك البرودة الجافة، فأصبح أمامها كالكتاب الخاوي الذي تسطر فيه بوجودها معه ذكريات بريئة وخالدة..
نظم رائد وقته ما بين التدريس بالجامعة، وبين الذهاب إلى مكتبة كتاب الحب حيث توجد رفيقة الروح إيلي..

في تلك الأثناء حاولت جينا جاهدة لكي توقع برائد في براثن حبها الزائف، ولكن للأسف لم تنجح، فكلما تقربت منه خطوة، صدها وأبعدها عنه، وحذرها لأكثر من مرة بكل أدب بعدم الاقتراب منه، ولكنها لم تتوانى عن ملاحقته، فقد أصبح التحدي الأكبر بالنسبة لها، وصار رفضه لها سبباً قوياً لكي تجعله فريستها، ولكن للأسف تحولت هي إلى فريسة حبه، وتحول حبها الزائف إلى حب جنوني يسيطر عليها كلياً..

ظلت جينا تتابع رائد عن كثب، فقد أثار جنونها بتجنبه لها، وقررت أن تراقبه لتعرف ما الذي يمنعه عنها، فلاحظت تردده اليومي على تلك المكتبة المترامية الأطراف، وقضائه لوقت طويل بداخلها، وحينما إختلست الأنظار لتعرف ما الذي يدور في الداخل، وجدته بصحبة شابة صغيرة ومسلطاً عينيه عليها، ويرمقها بطريقة غريبة غير تلك التي ينظر لها بها، إنه يرمقها بنظرات الحب الطاهر..

لقد شعرت جينا بغصة مريرة في حلقها، فكيف لجاهلة مثل تلك الحمقاء التي لا تجيد اي شيء سوى بيع الكتب المستعملة أن توقع برجل جامعي متفتح ومطلع على العالم الخارجي كرائد، كيف يمكنها أن تأسره هكذا وتجعله عاشقاً لها، لقد شعرت جينا بالغيرة العمياء، إنها الغيرة التي يمكن أن تودي بحياتها ما لم تستعد رائد مرة أخرى..

لذا قررت جينا أن تستغل أنوثتها الطاغية في إغداق رائد بالحب، ولكن حب من نوع أخر، بلى هو ذلك النوع الذي تنغمس فيه الأجساد في الملذات المحرمة من أجل اشباع رغبتها، ورائد كرجل لا يمكن مهما حاول أن يقاوم ما يمكن أن يُقدم له من إغراءات مثيرة..

و في ليلة باردة، كان رائد مشغولاً بقراءة أحد الكتب التي أهدتها له إيلي، فسمع صوت طرقات خافتة على باب غرفته، فنهض عن مقعده الخشبي الهزاز، وأسند الكتاب الذي بيده على الطاولة، ثم توجه ناحية الباب وهو يرتدي بنطالاً من اللون الرمادي الفاتح، ومن الأعلى تي شيرتاً من اللون الأبيض، ثم أمسك بالمقبض وأداره وتفاجيء بوجود جينا أمام باب غرفته و…
-رائد بنظرات مصدومة: جينا! ماذا تفعلين هنا؟

كانت جينا ترتدي فستاناً حريرياً قصيراً من اللون الفيروزي، وذو أكتاف رفيعة، وفتحة صدر عريضة تبرز أنوثتها، كما أنها تركت شعرها الأشقر ينسدل على ظهرها، ثم انحنت بخصرها قليلاً، ورفعت يدها عالياً لتريه أنها ممسكة بزجاجة خمر فيها، وبكأسين في اليد الأخرى..
تمايلت جينا مجدداً في نعومة بجسدها أمام رائد ثم استندت بجسدها على باب الغرفة، و..

-جينا بنبرة مغرية وناعمة، ونظرات جريئة: الطقس بارد بالخارج، واليوم ذكرى مولدي، وأنا لا أود الاحتفال بمفردي، فهل يمكنك الاحتفال معي؟

شعر رائد بالحرج من طلب جينا، فأطرق رأسه للأسفل وهو واضع يده على رأسه يعبث بخصلات شعره الغير منمقة، ثم رفع بصره في اتجاهها حينما أعادت طلبها عليه ولكن بصوت أقرب للهمس، فرمقها بنظرات هادئة، في حين نظرت هي إليه برجاء، فتنهد في ضيق، ولكن رغم هذا سمح لها بالمرور إلى داخل غرفته فهو لم يرغب في إحراجها، و أشار لها بيده لكي تدلف إلى الداخل..

مرت جينا من أمامه بدلال أكثر، وابتسمت له ابتسامة مثيرة وهي تمرق للداخل، ثم أسندت الزجاجة والكأسين على الطاولة، و أفرغت محتويات الزجاجة في الكأسين، وأمسكت بأحدهما وقدمته لرائد، ولكنه أشار لها بيده و..
-رائد بنبرة مقتضبة: معذرة جينا، أنا لا أحتسي الخمر.

ابتسمت جينا في هدوء حذر، ثم وضعت الكأس مجدداً على الطاولة بعد أن ارتشفت منه القليل، واستدارت بجسدها لتواجهه، وبدأت تتجاذب أطراف الحديث معه، ولكن كانت معظم ردوده مقتضبة وجافة، مما أثار حنقها أكثر، ثم مدت أحد ساقيها للأمام، ووضعت كلتا يديها في منتصف خصرها و..
-جينا بنبرة أنثوية ناعمة للغاية: أنت رجل صعب المراس يا رائد
-رائد بنبرة جادة: جينا، من فضلك، أنا لا أود افساد اليوم عليكي.

-جينا بنبرة خافتة: ولكن يومي لن يكتمل إلا بك
أرخت جينا قبضتي يدها عن خصرها، ثم سارت بميوعة أمامه حتى وقفت على بعد خطوة واحدة، ثم رفعت يدها عالياً، ووضعتها على رأسه وظلت تمسد على شعره برفق، ثم نزلت بأصابع يدها على أذنه لتداعبها بأناملها الناعمة، فسرت قشعريرة في جسده، وأغمض عينيه، ثم أخذ نفساً عميقاً فاخترق عطرها المثير أنفه، وحاول أن يتحكم في نفسه…

لقد كان الإغراء قوياً إلى حد كبير، ومهما كان فهو رجل يضعف أمام سطوة الجمال الممزوج بالشهوة، و جينا تجيد التلاعب بمشاعر الرجال، وتعرف كيف تغويهم حقاً، وبالتالي عرفت من أين تبدأ، وكيف تبدأ..

اعتلى شفتي جينا ابتسامة خبيثة وهي ترى تأثيرها ينعكس على رائد، فتمادت أكثر معه، ورفعت رأسها عالياً لكي تتلمس شفاهه بشفاهها ثم قبلته بشغف، فأمسك هو برأسها، وبادلها القبلات الحارة، فاستندت هي بكلتا يديها على صدره، وبدأت تتلمسه بأصابعها الباردة، كاد رائد أن يستسلم لتأثيرها ويتمادى أكثر في أفعاله معها، ولكنه توقف فجأة عما يفعل، ودفع جينا بعيداً عنه بعنف و..
-رائد بنبرة ممتعضة: كفى جينا.

رمقت جينا رائد بنظرات حائرة، فهي لا تعرف ما الذي أصابه فجأة لكي يبعدها عنه بتلك الطريقة، فاقتربت منه مجدداً، ووضعت أصابع يدها على صدره و..
-جينا بنبرة مثيرة، ونظرات شغفة: ما الأمر رائد؟ أنا أريد أن أبادلك الحب، لماذا تمنعني عنك؟
أمسك رائد بمعصم جينا، ثم أزاحه عن صدره بقسوة و…
-رائد بنبرة حادة، ونظرات غاضبة: ولكني لا أريد هذا جينا، فأنا لا أحب أن أكون خائناً.

ضيقت جينا عينيها أكثر، وحدقت في رائد بعدم فهم و..
-جينا بنبرة ممتعضة: ماذا تقول؟
-رائد بنبرة صلبة، ونظرات اشمئزاز: أنا لست كغيري ممن تجيدين إغوائهم، ولن أكون يوماً مثلهم
-جينا بضيق: ولكني أحبك يا رائد، أريد ان أقدم نفسي لك، أريد أن أعطيك الحب الذي لن تتذوق حلاوته إلا معي..
استدار رائد بجسده لكي يولي جينا ظهره، و..

-رائد بنظرات استنكار، ونبرة استهجان: أسف، أنا لا أقبل تلك المقايضة الرخيصة، من فضل انصرفي، فقد حان موعد نومي
جزت جينا على أسنانها في غيظ، ثم رمقت رائد بنظرات قاسية و..
-جينا متسائلة بغضب: أكل هذا بسبب تلك البائسة المعتوهة؟
التفت رائد برأسه، ثم نظر إلى جينا بنظرات محتقنة و..
-رائد بنبرة حادة، ونظرات ثابتة: من تقصدين؟
-جينا بنبرة استخفاف، ونظرات ساخطة: إنها الحمقاء التي تواعدها سراً في مكتبتها اللعينة.

اتسعت عيني رائد في ذهول، وبدأت الدماء تحتقن في وجهه معلنة عن غضب عارم و..
-رائد بنبرة صادحة، ونظرات متوعدة، وهو يشير بيده: أنا أحذرك يا جينا، لا تتفوهي بحماقات كتلك، وإلا سوف تندمين
-جينا بتهكم: إنك حقاً تحبها، كيف نجحت في إيقاعك تلك المعتوهة؟!
-رائد وهو يصرخ بعنف: جينا! اخرجي من هنا، فلم يعد وجودك مرحباً به
-جينا بنبرة غاضبة، ونظرات نارية مشتعلة: أتطردني من غرفتك؟

اقترب رائد من جينا، وأمسك بها من ذراعها، وقبض عليه بقسوة، ثم..
-رائد بنظرات متوعدة، ونبرة هادرة: وأقتلك إن تجرأتِ وتحدثتي بالسوء عن إيلي
ارتعدت جينا من حالة العصبية المفرطة التي تملكت رائد فجأة، وفضلت أن تنصرف عن وجهه قبل أن يهدر بها أكثر..
ولكن قبل أن تنصرف تماماً من غرفته تعهدت له ب…
-جينا بنبرة مختنقة، ونظرات قاسية: ولكنك ستعود لي يا رائد، ستعود لي عما قريب، وهذا وعد مني بهذا…!

ثم صفعت الباب خلفها بعنف، في حين بصق رائد في تقزز بعدما انصرفت، ثم وضع كلتا يديه على رأسه، وظل يعاتب نفسه على ما فعله ويلومها بشدة، فقد ندم على سماحه لتلك المرأة اللعوب بالدخول إلى غرفته ليلاً، وبالتالي أتاح لها الفرصة لكي توقعه في الخطيئة..

ظل رائد يزفر في انزعاج، وشعر أن بجسده نيران مشتعلة، فقد بات يخشى أن تتفوه جينا بحماقات أو أكاذيب زائفة مما يفسد العلاقة بينه وبين إيلي تلك الجميلة نقية الروح..
إنتوى رائد أن يكون أكثر حرصاً بعد هذا، و يتعامل بفظاظة مع جينا حتى لا يجعل نفسه عرضة للشكوك والأقاويل..

وبالفعل أدركت جينا أن رائد قد تغير تماماً معها، ولم يعد يجلس حتى بغرفة أعضاء هيئة التدريس، وعلى قدر الإمكان يتجنب اللقاء بها حتى لو مصادفة..
ظلت نيران الغيرة تتقد في صدر جينا، فقد أرهقها حبها لرائد، وهو على الجانب الأخر ينبذها بشدة..

ظنت جينا أنها لو حاولت أن تبدو مثل تلك المعتوهة إيلي فربما تنجح في استعادة رائد مجدداً، فعمدت إلى تبديل ثيابها بأخرى أقل إغراء، وإلى التقليل من مساحيق التجميل التي تضعها، ثم استغلت فرصة تواجد رائد بمفرده في قاعة التدريس الخاصة به لكي تنفرد بالحديث معه، دلفت جينا إلى داخل القاعة وهي تسير بخطوات مرتبكة و…
-جينا بنبرة آسفة: أعتذر لك رائد عما بدر مني، فأنا لم أقصد هذا.

أشاح رائد بوجهه بعيداً عن جينا، واستدار بجسده، وظل يطالع بعض الأوراق الموجودة في يده، و..
-رائد باقتضاب: لا بأس جينا
-جينا بخفوت، ونظرات نادمة: لقد تغيرت كثيراً رائد، ألا ترى هذا بعينيك؟

التفت رائد برأسه في اتجاه جينا، ثم دقق النظر فيها، ولاحظ بالفعل تبدل حالها، وثيابها، وأنها ترتدي فستاناً طويلاً من اللون الأسود، ذي أكتاف عريضة، وأكمام طويلة، ولم يعد وجهها ملطخاً بتلك الكميات الهائلة من مساحيق التجميل، فابتسم لها من زاوية فمه و..
-رائد بجدية: هذا أفضل لكِ، عن إذنك..
ترك رائد جينا واقفة في القاعة، في حين انصرف هو بخطوات سريعة مبتعدة عنها، ظلت جينا تنظر إلى رائد بنظرات متوعدة و..

-جينا بخفوت وبنبرة واثقة: لن تفلت مني رائد، وأنا سأتقرب أكثر منك حتى أستعيد ثقتك أولاً، وبعدها ستكون كلياً لي، أعدك بهذا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى